— من محميٍّ إلى مُهان: هكذا سقط تير شتيغن … كان أداء الألماني موضوعًا محرَّمًا لسنوات على الرغم من التراجع الواضح، حتى قام النادي فجأة بكشف جميع عيوبه لتجنّب النقاش حول رحيله.
برشلونة تعاقد مع خوان غارسيا كحارس مرمى جديد مقابل 26,3 مليون يورو لا يُعدّ فقط صفقة بارعة من جانب ديكو، بل يضع أيضًا حارسًا آخر في الزاوية تحت أضواء كاشفة قوية.
مارك أندريه تير شتيغن، الذي كان لا يُمسّ في برشلونة بفضل المكانة التي اكتسبها بمجرد قدومه كحارس أساسي في آخر لقب دوري أبطال فاز به الفريق، سقط من عرشه بسرعة الضوء , و بالنسبة للبعض كان ذلك بطريقة غير متوقعة. ولكن إن راجعنا الأحداث فربما لم يكن كذلك.
لسنوات، سواء أدّى بشكل جيد أو سيء، كان النقاش حول أداء تير شتيغن من المحرَّمات , فقد كان ثابتًا في مركز الحارس الأساسي الذي لا يُمسّ ولم يجرؤ أحد في النادي، وقليلون من النقّاد، على التدقيق في أدائه، رغم أنه قدّم مباريات أكثر من قابلة للنقاش في الليالي السوداء لبرشلونة في أوروبا (روما، ليفربول، الهزيمة 2-8 أمام بايرن) , كان الأمر كما لو أن الجميع يفضّل غضّ الطرف.
حتى أن النادي استسلم في موضوع المنافسة على مركزه، والتي كانت في تراجع: برافو، سيلسن، نيتو… إيناكي بينيا , وكأن المسألة قد حُسمت سلفًا. وعلى الرغم من العمليات التي خضع لها في ركبته اليمنى (إحداها في أغسطس 2020 والأخرى في مايو 2021) والتي أثرت بشكل واضح على مستواه، لم يطرح أحد السؤال حول مدى أحقّيته في الاحتفاظ بمكانته الثابتة كحارس أساسي , بل على العكس، ولسنوات طويلة تم تصنيفه ضمن أفضل ثلاثة أو خمسة حراس في العالم رغم أنه لم يتمكن حتى من الفوز بالمركز الأساسي في المنتخب الألماني، حتى في ظل إصابات نوير , وكان هانسي فليك نفسه قد فضّل في مونديال قطر الاعتماد على الحارس التاريخي لبايرن ميونيخ كأساسي رغم غيابه عن الملاعب لما يقارب السنة بسبب الإصابة.
ومن المفارقة أن تلك الهالة من القداسة تغيّرت مع قدوم المدرب الألماني إلى برشلونة , وكذلك مع ديكو الذي بدأ بالفعل في مراقبة أداء تير شتيغن بعد عمليته الجراحية الثالثة التي أجريت له في الظهر في الموسم الماضي في بوردو، على يد الطبيبة أميلي ليغليز.
عاد تير شتيغن للعب في نهاية الموسم ولم يكن موفقًا، بل ارتكب أخطاء فادحة، كقيامه بمحاولة “سومبريرو” على هوغو دورو انتهت بخطأ ساذج وهدف لفالنسيا , وقبل إصابته بتمزق في وتر الرضفة للركبة اليمنى في ملعب “لا سيراميكا” ارتكب تير شتيغن خطأً جسيمًا في موناكو تسبب في طرد إريك غارسيا , وبدلاً من تحمّل المسؤولية كقائد للفريق، قال: “لم نفهم بعضنا جيدًا، وأشعر بالسوء من أجل إريك”.
شَارة القيادة
مسألة أخرى تتجاوز الأداء كانت محل تدقيق من ديكو وفليك خلال الموسم، مع وجود تفاصيل لم تنل إعجابهما , ووفقًا لما كشفه الصحفي تشافي توريس ورغم أن لاعبين مثل كوندي –رغم إصابته– استقل طائرة في اليوم ذاته فإن تير شتيغن رفض السفر إلى ميلانو بعد نصف نهائي دوري الأبطال أمام الإنتر بعد أن تأكد من أن النادي لن يقوم بأي تحرّك وسيُبقي على تشيزني في حراسة المرمى، مما يمنع تسجيله بحسب لوائح الاتحاد الأوروبي , وقد أثار اتصال وكلاء تير شتيغن للنادي بهدف الضغط استياء فليك الذي دفع به أساسيًا في ملعب “ثيوريّا” (حيث ارتكب خطأً جديدًا في هدف بلد الوليد)، لكنه وجّهه علنًا بعد نهاية اللقاء بقوله: “في ميلانو وفي الكلاسيكو سيلعب تشيزني”.
كما تبيّن لاحقًا أنه، بعد مباراة فياريال في يوم الاحتفال بلقب الدوري رفض الألماني التحدث علنًا , وفي النادي، لم يكن مقبولًا ظهوره في بودكاست Phrasenmäher التابع لصحيفة Bild الألمانية حيث مارس ضغوطًا للعودة للعب. وربما في تلك اللحظة كان قد تلقى إشارات بشأن التعاقد مع خوان غارسيا.
سلوك تير شتيغن كان دائمًا محل جدل , فقد أقرّ بنفسه في ذلك البودكاست أنه مارس ضغوطًا على النادي للرحيل إلى مانشستر سيتي في صيف 2016 إن لم يتم الاستغناء عن برافو “كنت أريد أن أكون الرقم واحد دون منازع , بيب جاء إلى برشلونة، ثم التقينا في منزل صديق. وعندما قال (لويس إنريكي) إننا يجب أن ننتظر لنرى كيف ستسير فترة التحضير، كدت أفقد أعصابي”. في النهاية، رحل برافو. لكن ذلك السلوك وصل إلى غرفة الملابس، حيث لم تكن علاقة الألماني بالنواة الصلبة المكوّنة من ميسي، نيمار، سواريز، بوسكيتس، ألبا وبيكيه، سلسة تمامًا.
في الواقع، لم تأتِ شارة القيادة التي يحملها تير شتيغن نتيجة تصويت زملائه (كما حدث مع رافينيا وبيدري هذا الموسم)، بل لأنه أقدم لاعب في التشكيلة الأولى.
تغييرات قليلة
في الحقيقة لم يتغيّر موقع تير شتيغن سواء في الأداء أو السلوك كثيرًا في السنوات الأخيرة , وما تغيّر هو سردية النادي , في فترة وجيزة جدًا انتقل من كونه محميًا يُمنَع النقاش بشأنه، إلى لاعب لا يصدر النادي بشأنه أي تصريح دعم، بل يروّج الشكوك حول مستواه الرياضي ويسرّب سلوكيات مثل ما حدث في ميلانو، والتي لم تلقَ استحسانًا في غرفة الملابس، وجعلته أيضًا يفقد شعبيته بين الجماهير التي بدأت هي الأخرى تدرك أنه، إن راجعنا مسيرته في برشلونة، فإن تير شتيغن لا يملك أي ليلة ساحرة مثل زوبيزاريتا في تورينو (كأس الكؤوس)، كايزرسلاوترن، أو ويمبلي؛ أو فالديس في سان دوني في نهائي دوري الأبطال 2006.
لديه أيام حاسمة في الدوري، حيث حقق أخيرًا هدفه في أن يكون الحارس الأقل استقبالًا للأهداف في موسم 22-23، لكنه لا يملك أية ليلة فوز خالدة، بل العديد من الليالي السوداء في أوروبا.
ربما لم يكن تير شتيغن حارسًا يستحق كل هذا التقدير , لكن ربما، أيضًا، لم يكن يستحق أن يُترك دون حماية في نادٍ قدّم له عقدًا من الزمن، نعم اتسم بالأنانية، لكنه تميز أيضًا باحترافية عالية , والآن، يبقى أن نرى إن كان سيرفع الراية البيضاء ويغادر سعيًا لضمان مركز أساسي في كأس العالم بأمريكا الشمالية؛ أم يتمسك فعلًا بمكانته كرقم واحد ويستمر في اعتبار نفسه الأفضل، ويملك القوة للمنافسة مع خوان غارسيا.
يبدو أنه أقرب للخيار الأول , من محميٍّ إلى مُهان، هكذا سقط تير شتيغن.
(المصدر : صحيفة الاس)